Tuesday, June 1, 2010

ي خضم المشاغل والالتزامات والإنزياحات والإكراهات وتعقيدات المعيش اليومي لا يجد الإنسان متسعا من الوقت للجلوس مع العائلة وتبادل الحديث والدردشة مع الأطفال الذين يبكون و يضحكون في براءة تامة وغياب عن مسرح الحياة الذي تطحن رحاه الآلاف من الذين لا يجدون موقعا يحفظ لهم الكرامة والأنفة في مجتمع يتحول دون وعي و يتدهور بوعي كامل مصطنع.....

البارحة حاولت التنصل ونزع العباءة الرسمية للحياة و أشحت قناع الثقافة والطموح والاختلاف لأقتنص لحظة بدت لي بقيمة الحياة كلها وأنا أضحك وأتعجب وأتساءل في معية والدتي وأختي، هذه الأخيرة التي شعرت بحاجتي إلي الإطلاع على الجانب الآخر من المجتمع الذي نادرا ما أعيره أي اهتمام، جانب الصراع الصامت والقصص الغريبة التي تشكل الواقع الاجتماعي......

بدأت أختي حديثها بسؤال تعجب واستفهام من قبيل الفخر والتماهي بامتلاك معلومات وقصة لا أعرفها، قبلت بكل سرور أن ألعب دور الساذج والتلميذ المجتهد الذي يجلس على طاولة في حجرة الدرس لأول مرة أمام معلم يصر على إظهار تسلطه و تفرده بالرأي. كان السؤال: هل تعرف فلانة ابنة فلانة التي تسكن على الجانب الآخر من الطريق المعبد؟ أجبتها بنعم، لأني كنت حقا أعرفها وأعرف أمها و جدها الذي توفي منذ أكثر من 15 سنة، وأعرف عمتها التي ماتت عندما احترقت منذ 13 عاما، بضعة أشهر قبل أن تولد الفتاة بطلة القصة. حقا كنت أعرف جميع الجيران منذ كنت صغيرا.....

فأنا، لحسن حظي، ولدت وتربيت وترعرعت ولا زلت أعيش في نفس المكان وبين نفس الناس حيث نضجت مع الوقت و الأوجه تنضج وتتغير و تختفي تحت ناظري....
بدأت أختي بسرد قصة أقرب للخيال تحكي ملحمة الشيخ الحجاب الذي تزوج تلك الفتاة بعد أن زعم لأهلها أنها مسكونة بعفريت من الجن و أن الطريق الوحيد و السبيل إلي خلاصها هو تزويجها للشيخ الضال الذي يدعي أنه يرقي بالقرآن الكريم و يملك سر الحرف ويسخر الجن لمآرب أخرى.....

صعقت بتلك القصة وكنت أنتظر من والدتي أن تساعدني على فهم هذه السخافة الاجتماعية، لكن أمي الغالية كانت مشغولة بسبحتها و على اتصال مع أمواتها، تصلي من أجلهم وتقرأ القرآن بعيدا عن هذا العالم المادي لأن تلك الليلة كانت ليلة الجمعة. فوالدتي، كعادتها، تدخل خلوتها و لا تكلم أحدا من بعد صلاة العشاء كل ليلة جمعة، لم أكن أفهم هذه الطقوس عندما كنت صغيرا، ومع ذلك لطالما، عندما كبرت، حاولت تقليد والدتي، خصوصا عندما أكون خارج موريتانيا في محاولة مني لممارسة للاتصال مع الأموات ليلة الجمعة و التصدق عليهم وعنهم، أو ربما شوقا و اشتياقا لوالدتي الملائكية.....

الشيخ الحجاب يبلغ من العمر 80 سنة بينما الفتاة البريئة لم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها. أدعى الشيخ أنه شريف وأنه من الذين يهدى لهم و كاد أن يدعي كذلك أنه رب الأرباب ويبرئ الأكمه والأبرص، أنتهز الشيخ فرصة وواقع العائلة الفقيرة المسكينة التي ليس لديها رجل يذود عنها، وجد واقع الأم الساذجة و بناتها الجاهلات ليعلن انه ملك الأسرة و صاحب الحق و القرار و الأب والزوج و الآلهة.....

لم تجد الأسرة النموذجية لمجتمعنا بدا من أن تقبل الرضوخ لغريزة شيخ بدأت أيام عمره في النفاد لتعطيه زهرة يافعة بحجة أنه سيدفع عنها العفريت الجني الذي يسكنها منذ ميلادها كما تقول القصة العجيبة. هذا النوع من الشيوخ أو الخفافيش مازال يقتات على تخلف العقلية الاجتماعية و انعدام الوعي و غياب المعرفة في مجتمع يعيش على إعادة إنتاج و استنساخ خرافات و قصص عجائبية يتشبث بها وكأنها كنه وجوهر الدين كما يتشبث الغريق....
أما الفتاة فيكفيها أن أمها قالت لها بأنها ستصبح في أحسن حال عندما تسمح للشيخ الحجاب أن يعبث بجسدها القد الطري ليمارس من خلالها التبجح برجولته التي لا يريد للزمن أن يسرقها منه، رجولة يريد أن يطهرها من رائحة العجائز النتنة التي أفنى عمره بين أحضانهن. فالشيخ البطل الحجاب تزوج قبل الفتاة العذراء أكثر من 7 مرات حسب الرواية الاجتماعية....
كيف يقبل المجتمع بهذا النوع من الهراء و الفساد الديني والأخلاقي؟ هل يعقل أن تكون هكذا حقيقة وواقع مجتمعنا في فجر الألفية الثالثة و القرن الواحد والعشرين؟ أليس من السخافة و الانحطاط أن نسمح لشيخ في عقده الثامن أن يكتشف خريطة جسد فتاة قاصرة؟ إلي متى سنظل نعتقد في الخرافة و القصص الفنتازية التي أهلكت الحرث والنسل؟ أم أنه هكذا يحكم الأموات الأحياء... !!!

No comments:

Post a Comment